قائد مهمة الاتحاد الأوروبي في البحر الأحمر: لسنا هنا لقتال الحوثيين

في الأيام الأخيرة شنت القيادة المركزية الأمريكية عدة ضربات على المتمردين اليمنيين.

وقد نأى قائد مهمة الاتحاد الأوروبي الدفاعية لحماية السفن التجارية في البحر الأحمر بالمهمة التي يقودها عن الضربات الأمريكية اليومية على الحةثيين، وذلك في ظل تصاعد التوتر بين الأمريكيين والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.

هذا وقد زعم المتمردون الحوثيون يوم الأربعاء أنهم هاجموا سفنًا حربية أمريكية في البحر الأحمر ثلاث مرات خلال الـ24  ساعة السابقةباستخدام طائرات مسيرة وصواريخ كروز(انسيابية) بعد أن أسفرت الضرباتالأمريكية عن مقتل أربعة أشخاص على الأقل في اليمن.

وفي مقابلة له مع صحيفة "ذا ناشيونال"في مقر عملية قوة أسبيدس البحرية الأوروبية في مدينة لاريسا اليونانية قال الأدميرال فاسيليوس جريباريس:"نحن لا نقاتل الحوثيين...إننا نتعامل مع أفعالهم ضد صناعة الشحن، ونحن نحمي المصالح العالمية المشتركة،  مثل حرية الملاحة، وأرواح البحارة، ولم  نقم أبدًا بإصابة أي من الحوثيين أثناء أي مما قمنا به في هذه المنطقة".

أطلق الاتحاد الأوروبي عملية أسبيدس--التي تعود تسميتها إلى كلمة يونانية تعني “الدرع” -- في فبراير 2024 ردًا على هجمات الحوثيين على الشحن البحري في خليج عدن والبحر الأحمر وصولًا إلا قناة السويس. وتوفر العملية  حماية مباشرة للسفن التجارية، وتعترض الضربات التي تستهدفها، كما تعكف على رصد وتقييم التهديدات المحتملة.

وقد شرع الحوثيون في مهاجمة هذا الشريان التجاري العالمي الرئيسي في نوفمبر 2023 بزعم التضامن مع الفلسطينيين، حيث كثفت إسرائيل هجماتها على غزة عقب هجوم حماس على جنوب إسرائيل في الشهر السابق. وقد قامت واشنطن بإعادة تصنيف المتمردين اليمنيين كمنظمة إرهابية، إذ تتخذ إدارة الرئيس دونالد ترمب موقفا هجوميًا بشكل متزايد إزاء الجماعة.

أصول محدودة لمواجهة هجمات الحوثيين:

تمتلك عملية “اسبيدس” حاليًا ثلاث سفن، وهي:- السفينة الإيطالية "فيديريكو مارتينينجو"، وسفينة "إتش إس هيدرا" التابعة للبحرية اليونانية، وفرقاطة فرنسية - حيث تغطي العملية منطقة المهمة الشاسعة التي تمتد حتى شمال غرب المحيط الهندي.

وفي ظل الافتقار لمزيد من الأصول من دول الاتحاد الأوروبي، ركز الأدميرال جريباريس الجهود على منطقة معرضة لخطر تهديد كبير تبلغ مساحتها 2200 كم، حيث شن الحوثيون غالبية هجماتهم في محيط مضيق باب المندب، وهو ممر مائي يبلغ عرضه 26 كم يفصل اليمن عن القرن الإفريقي.

وأضاف القائد: "مشكلتي الكبرى تكمن في عدد الأصول المتاحة واتساع منطقة العملية، لأنني لا أستطيع حماية الجميع هناك". موضحًا أن "توفير الاتحاد الأوروبي لمزيد من الأصول  للمهمة من شأنه أن يسهم في تخفيف الانتقادات الأمريكية لأوروبا بأنها لا تبذل قصارى جهدها في تأمين ممرات الملاحة البحرية، حيث يمر ما يصل إلى 15% من أحجام التجارة البحرية العالمية عادةً عبر البحر الأحمر".

وقد نُقل عن نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس أنه قال في محادثة كتابية مسربة على تطبيق سيجنال الأسبوع الماضي قوله "أنا فقط أكره إنقاذ أوروبا مرة أخرى"، وذلك في إطار دعمه لمقترح بضرب الحوثيين، وهو ما رد عليه وزير الدفاع بيت هيجسيث قائلا: "نائب الرئيس، أشارككم تماما كراهيتكم للاستغلال الأوروبي- إنه أمر مثير للشفقة". 

ورداً على هذه المزاعم، صرح الأدميرال جريباريس أن بعض السفن التي وفرت مهمته حماية مباشرة لها كانت تخص شركات أمريكية، أو كان للولايات المتحدة الأمريكية مصالح فيها.

وأضاف: "إذا كانت الدول الأوروبية تريد مشاركة أكبر،  فبطبيعة الحال سيتعين عليها أن تقرر ذلك، وأنا هنا بالفعل لأنفذ". "لقد برهننا للجميع بالفعل على أنه على الرغم من أننا لا نملك الأصول اللازمة، إلا أننا نبذل قصارى جهدنا، وهذا ما نبرهنه بالأدلة والأرقام".

وفي غضون ما يزيد قليلاً عن عام، ساعدت المهمة في مرور أكثر من 740 سفينة، من بينها  440 سفينة تم توفير جماية مباشرة لصيقة لها- وهي مهمة تستغرق حوالي ثلاثة أيام لكل سفينة. وقد ذكر الأدميرال جريباريس أن المهمة اعترضت 18  طائرة مُسيّرة، وزورقَين مُسيّرَين، وأربعة صواريخ مضادة للسفن، مضيفاً أنه لو لم تتحرك المهمة، "لكانت] الضربات[ قد أصابت السفن التي كنا نحميها في ذلك الوقت"،  مع احتمال وقوع "خسائر في الأرواح وأضرار جسيمة على متن السفن".

تسببت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر في إحداث فوضى في الشحن العالمي؛ وهو ما أجبر ناقلات النفط وسفن الحاويات على تغيير مسارها لتمر عبررأس الرجاء الصالح بجنوب إفريقيا؛ مما أدى إلى زيادة كبيرة في التكاليف،  وفي استهلاك الوقود، وزمن العبور. وبالنسبة لأوروبا، فهي تعتمد بشكل كبير على الواردات من الشرق،وهو ما أوجدحافزًا لإنشاء آلية لتسهيل مرور السفن التجارية عبر المسارالتقليدي. 

تشارك في المهمة 21 دولة من دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة، حيث يتواجد أفراد من فنلندا وهولندا وبولندا في قاعدة لاريسا، بينما يتواجد غالبية الباقين على متن السفينة الإيطالية "فيدريكو مارتينينجو"، وهي قائد العملية في الوقت الحالي.

وقد صرح الأدميرال جريباريس أن المخاوف الأوروبية بشأن الحرب في أوكرانيا والعبء المالي لتوفير الأصول لمهمة البحر الأحمر هما عاملان في محدودية أصول القوة، مضيفًا أن جيوش الاتحاد الأوروبي ليست جميعها مجهزة تجهيزًا مناسبًا لتوفير الأصول المزودة بدفاعات جوية،  أو تفتقر إلى السفن البحرية  اللازمة لذلك.

وأضاف الأدميرال: "يقع العبء المالي للسفن التي يتم توفيرها على عاتق الدول الأعضاء التي توفرها، لذلك قد يكون الأمر مرتبطًا إلى حد ما بسبب مالي".

كما أن "تطور" القضايا الأخرى في أوروبا، بما في ذلك الصراع الأوكراني، يدفع بعض الدول إلى إعادة النظرفي  كيفية توجيه قواتها، إذا صح التعبير”.

استئناف الهجمات

بعد هدوء ساعد فيه وقف إطلاق النار في غزة، استأنف الحوثيون هجماتهم على السفن العسكرية الأمريكية في المنطقة في الأسابيع الأخيرة  بعد انهيار الهدنة؛ مما أثار مخاوف الأدميرال جريباريس من أن تصبح مهمته أكثر تعقيدًا.

"لا نعتقد أن أي تصعيد يمكن أن يؤدي إلى أو يسهم في ] تحسين[ الوضع في هذه المنطقة".

في الأيام الأخيرة، أكدت القيادة المركزية الأمريكية قيامها بضربات متعددة على الحوثيين؛ مما يشير إلى نهج هجومي يحرص الأدميرال جريباريس على أن ينأى بعملياته عنه.

وفي منشور موجه للمتمردين الحوثيين كتب الرئيس دونالد ترمب على منصة للتواصل الاجتماعي يوم الإثنين: "كفوا عن إطلاق النار على السفن الأمريكية، وسنتوقف عن إطلاق النار عليكم. وإلا، فقد بدأنا للتو، والألم الحقيقي لم يأتِ بعد، لكلٍّ من الحوثيين ورعاتهم في إيران".

صرح الأدميرال جيرباريس أن عملية أسبيدس ”مختلفة كليا“ عن التي تقودها واشنطن، وذلك على الرغم من أن قواته تنسق مع عملية عسكرية منفصلة تقودها الولايات المتحدة في المنطقة، وهي عملية "حارس الرخاء"، وذلك لتجنب حوادث النيران الصديقة، وللحفاظ على الذخيرة من خلال تجنب الإزدواجية في التصدي لأي تهديد قادم". 

وقد أضاف:”نحن لا ندعم الهجمات على الأراضي اليمنية...ومن ثم هناك اختلاف كبير في كيفية فعلنا للأشياء".

كما تجنب قائد المهمة اتخاذ أي مواقف سياسية حيال الصراع الذي دفع إلى بدء هجوم الحوثيين على الممر الملاحي؛ حيث قال: "لسنا جزءًا من الصراع في غزة . نحن لا ندعم الإسرائيليين ولا الفلسطينيين... نحاول مواصلة التركيز على هذه المهمة تحديدًا، كما نحاول وصف مهمتنا للدول المجاورة، ونقل رسائل مهمة ونسبية إلى الحوثيين حول ما نقوم به بالضبط".

كما صرح الأدميرال جريباريس  أن الاتحاد الأوروبي لا يعترف رسميًا بحركة تمرد الحوثيين، ومن ثم فالرسالة تصل إليهم "بشكل غير مباشر"، مضيفًا أن "العديد من الجهات الفاعلة في المنطقة تتواصل مع الحوثيين. ومن خلال التواصل مع هذه الجهات، تُنقل الرسائل أيضًا إلى الحوثيين".

 

تتبع الأسلحة و "سفن الظل"

في فبراير، تم توسيع نطاق تفويض مهمة "أسبيدس" ليشمل جمع المعلومات حول تهريب الأسلحة وسفن الظل ومشاركتها مع دول الاتحاد الأوروبي والإنتربول وغيرهم من المنظمات الدولية؛ مما من شأنه أن يساعد في الحد من إمدادات الأسلحة للحوثيين. وتشير "أساطيل الظل"إلى السفن التي تنقل سلعًا محظورة، وغالبًا ما تستخدمها دول خاضعة لعقوبات شديدة مثل إيران وروسيا.

وقال الأدميرال جريباريس "نفهم أن الأسلحة التي تصل إلى الحوثيين تأتي من مصادر محددة".... "لذا إذا كان لدينا فهم أفضل لمكان وكيفية وصول هذه الأسلحة إلى الحوثيين، وإذا كان بإمكاننا السيطرة عليها إلى حد ما، فسيكون ذلك مفيد جدًا للأمن في البحر الأحمر وخليج عدن". 

يُنظر إلى طهران على نطاق واسع على أنها الداعم الرئيسي للحوثيين، على الرغم من أن الأدميرال جريباريس ليس على اتصال مباشر بإيران وعمليته" تحافظ على مسافة آمنة "من قواتها.

ولم يستبعد  الأدميرال احتمالية  أن يزيد الحوثيون من هجماتهم لتعزيز نفوذ إيران على الولايات المتحدة في المحادثات المتعلقة ببرنامج إيران النووي، الذي تتردد طهران في التفاوض بشأنه تحت سياسة الضغط الأقصى التي تنتهجها واشنطن.

وقال الأدميرال جريباريس: "سترتبط إحتمالية قيام الحوثيين بذلك بقدر ما لديهم من القدرة والإرادة للقيام به،وأضاف "حتى إننا بالأمس رأينا ان الايرانيين استولوا على سفينتين تجاريتين وصادروا حمولتهما، وكانتا ناقلات تحمل الوقود. وهذا يعني أن الإيرانيين أيضًا ، إن أمكننا القول، يعرضون مزيدًا من سفن الشحن لهذه الهجمات.

الحل طويل الأمد هو الحل الدبلوماسي

صرح الأدميرال جريباريس أن  زيادة التعاون مع الدول المجاورة للبحر الأحمر هو أمر "مطروح على الطاولة". فضلا عن تواصله مع الهند لمحاولة إشراكهم؛ وبموجب التفويض الموكل إليه، يمكن للأدميرال جريباريس دعوة دول خارجية من خارج الاتحاد الأوروبي للمشاركة في العملية.

وأضاف أن "بعض هذه الدول تشارك بالفعل في تحالفات أخرى في هذه المنطقة لأسباب أخرى”... “حتى يتسنى لهم كذلك الانضمام إلى تحالف دفاعي بشكل كامل".

إن مشاركة المهمةفي المساعدة في منع التسرب النفطي الكارثي المحتمل الصيف الماضي، وصد التهديدات القادمة،  قد ساعدت في تهدئة المخاوف في بعض البلدان المجاورة.

وقال الأدميرال جريباريس “هذا دليل لهم على أننا نعني ما نقوله وأننا في حالة دفاع تام”

وفي الوقت ذاته، تريد شركات الشحن “ضمانات” بأن الممر البحري آمن - وهو وعد لا يستطيع الأدميرال جريباريس تقديمه، حيث قال: “ في ظل عدد  القوات لدي،لا يمكنني أن أضمن لأي شخص أنه يستطيع المرور بأمان تام هناك...لكنني أعطي بعض الأرقام التي تبين أن السفن التي قمت بحمايتها قد تمت حمايتها بشكل فعال”.

في النهاية، يعتقد الأدميرال جريباريس أن الدبلوماسية يجب أن تحل محل الوسائل العسكرية في توفير حل طويل الأمد لتهديد الحوثيين، حيث قال “إننا لا نعتقد أنه يمكن حل هذه المشكلة من خلال الأعمال العسكرية وحسب...”بل على المدى البعيد، سنحتاج لأن يكون اليمنيون في صفنا. وستظل أوروبا بحاجة إلى ممرات التجارة التي تمر عبر البحر الأحمر. لذلك يتعين علينا أن نبني شيئًا أكثر ديمومة".